تغلب مطرقة الأسد على سندان الإنسانية لمتطوعي “الهلال الأحمر السوري”
شهدت سوريا خلال الأعوام الماضية حربًا ضروسًا استخدم فيها النظام جميع الأسلحة ضد الأهالي واستعان بدول وحلفاء وميليشيات شاركوه إجرامه وأحيانًا فاقوه في الإجرام كما فعلت روسيا حين استباحت الأجواء السورية وراحت تقصف الناس الآمنين في بيوتهم ووثقت وسائل الإعلام العالمية تلك الانتهاكات بالصوت والصورة، التي نتج عنها تهجير السوريين بشكل واسع، فسارعت العديد من المنظمات الإنسانية لإغاثة الشعب السوري من القصف على اختلاف أنواعه (راجمات، صواريخ، كيماوي، سكود، مروحي.. إلخ) بتقديمهم المستلزمات الضرورية، ولأن ثورة الشام كاشفة وفاضحة، فقد تساءل كثير من الأهالي عن السبب وراء غياب دور «الهلال الأحمر السوري» الذي يعد أكبر منظمة إنسانية في سوريا، تأسست خصيصًا لهكذا ظروف وأحداث، حسب مبادئها وأهدافها المزعومة.
تأسيسها وكيف سيطر عليها حزب البعث بقيادة الأسد وانعكاس ذلك على أعمالها الإنسانية:
وبحسب بعض الدراسات السابقة تأسست منظمة «الهلال الأحمر السوري» بموجب المرسوم الجمهوري رقم 540 لعام 1942، أي قبل الاستقلال عن الانتداب الفرنسي، وفي عام 1943، سجّلت «جمعية الهلال الأحمر السوري» في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، حيث لم تكن المنظمة حتى وقتها تحمل صفة عمل رسمية، وفي عام 1945 اعترفت الحكومة السورية بشكل رسمي بـ«الهلال» لينوب عن الصليب الأحمر، وفي عام 1946 اعترفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالهلال الأحمر السوري رسميًا، بموجب التعميم رقم 375 لعام 1946.
وبيَّنت الدراسات أن المنظمة أعيد تأسيسها مرة أخرى عام 1966 من خلال المرسوم 117 الناظم لعملها وكان ذلك بعد 3 سنوات من استيلاء حزب البعث على الحكم في البلاد.
شهود ودراسات سابقة تثبت حقيقة تدخل الأسد بتوظيف متطوعي «الهلال الأحمر السوري»؟
يقول أحد المتطوعين السابقين في «الهلال» رفض ذكر اسمه: «الهلال بات منذ فترة طويلة أشبه ما يكون بمؤسسة حكومية تتبع للنظام بشكل أو بآخر، نحن لا نتكلم هنا عن المتطوعين الصغار وإنما عن أصحاب النفوذ في المنظمة والذين يتم انتقاؤهم على أسس معينة يرتضيها النظام، فالمتطوع الصغير لا حول له ولا قوة ينفذ القرارات القادمة من أصحاب النفوذ في المنظمة».
وتساءل عن الفرق بين المؤسسات الرسمية التابعة للأسد بشكل مطلق وبين منظمة «الهلال الأحمر» بوجود شخص كـ«تمام محرز» برأس هرم المنظمة وهو ابن أخ «آصف شوكت»، وبذلك يكون الأسد مسيطرًا عليها بشكل تام ولعل ذلك توافق تمامًا مع دراسات أحد مراكز البحوث بقوله: «إن عددًا من إداريي المنظمة السابقين الذين تمّت مقابلتهم أكدوا أن جميع طلباته (تمام محرز) في المنظمة لا يمكن أن ترد، وأنه يعمل في المنظمة منذ 20 عامًا، ويشرف على فرع إدلب، كما أنه رئيس فرع دمشق، في سابقة من نوعها إذ لم يسبق أن ترأس هذا الفرع شخص من الطائفة العلوية، وكانت الهيمنة فيه سابقًا لبعض الأسر الدمشقية التي ينظر إلى أبنائها على أنهم من أقدم المتطوعين فيها، مثل آل العطار».
وأوضحت الدراسة أن «هناك قسم الموظفين الإداريين الذين يتقاضون أجرًا في الهلال الأحمر وهم من أبناء المسؤولين، طمعًا بالرواتب العالية التي تصرفها المنظمة لموظفيها، ويستطيع أي مسؤول كبير أن يتصل برئيس المنظمة أو رئيس الفرع ويطلب منه تعيين ابنه أو قريبه، من دون المرور بالمراحل المنصوص عليها في النظام الداخلي، وشهدت الفترة الأخيرة دخول عدد ليس بالقليل من الضباط المتقاعدين إلى المنظمة، خاصة للمناصب الإدارية العليا، بالتزامن مع رحيل الكفاءات التطوعية، سواء أكان الاضطراري أو الطوعي، أو حتى الفصل التعسفي، في ظل تعطيل الانتخابات».
«خالد حبوباتي» الرئيس الحالي لمنظمة الهلال الأحمر خلفًا لـ«عبد الرحمن عطار» وعلاقته بالأسد:
وعيّن خالد حبوباتي رئيسًا للهلال، وهو رجل أعمال دمشقي ومن أسرة ثرية، وصهر رجل الأعمال الشهير في دمشق، راتب الشلاح، عينه نظام الأسد نهاية عام 2016 رئيسًا لمنظمة «الهلال الأحمر»، بدلًا من عبد الرحمن العطار، الذي أمضى أكثر من 25 عامًا من حياته رئيسًا للمنظمة.
وأوضحت «العربي الجديد» في تقرريها أن «خالد حبوباتي يملك أحد أكبر نوادي القمار، وله الضوء الأخضر لفتح «الكازينو الجديد» الذي كان قد أمر به بشار الأسد، مكلّفًا صديقًا له بإطلاق هذا المشروع، والمفارقة أن هذا الصديق ليس من رجال الأعمال، وإنما من الفنانين التشكيليين الذين وجدوا حظوة كبيرة عند بشار الأسد، وقبلها عند شقيقه باسل وهو ياسر حمود، ابن محافظة طرطوس، وكانت الخطة تنصّ على أن يلحق افتتاح هذا الكازينو إنشاء ثلاثة كازينوهات أخرى تتوزع بين منطقة يعفور الراقية في ريف دمشق، والثاني في مدينة تدمر السياحية وسط سوريا، على أن يكون الثالث في حلب».
طرد وملاحقة واعتقال وتعيين متطوعين في الهلال الأحمر من قبل الأسد مع بداية عام 2011
ومع بداية الحراك الثوري عام 2011 بدأ النظام المجرم بملاحقة وفصل والتضييق على المتطوعين أو الإداريين الذين قرروا أن يعملوا بحيادية وخاصة هؤلاء الذين ينتمون للمناطق الثائرة وذكر موقع «حكاية ما انحكت»: أنه حين بدأت الثورة السورية لم يكن النظام السوري مدركًا للدور الذي يمكن أن تلعبه مؤسسة الهلال الأحمر السوري، ولو من باب الحياد وعلى المستوى الإنساني، فكلمة الحياد مرفوضة كليًّا لدى النظام الذي عمل جاهدًا على تقسيم البشر بين إرهابيين يجب سحقهم ولا يستحقون إلا الموت، وبين مؤيدين صالحين يهتفون باسمه، ولهذا فإن حياد الهلال الأحمر الذي يجعل من معالجة أي جريح أو مصاب وتقديم الدواء له بغض النظر عن دينه أو رأيه السياسي هدفًا أساسيًّا لعمله، كان يرفضه النظام الذي لم ينتبه لأهمية هذا الأمر في بداية الثورة، فكان أن تشكلت مساحة ما عمل في ظلها بعض النشطاء والمؤمنين بالثورة السورية، ولو من موقع حيادهم في المؤسسة وتأييدهم الثورة، ما انتبه له النظام فيما بعد ليحكم القبضة مجددًا على الهلال في المناطق الخاضعة لسيطرته على الأقل».